السبت، 20 يونيو 2009

احـــــــتراف الحب

لطالما أخذني قيس إبن الملوح بعنفوان عشقه وجنون إشتياقه وسيمفونية مناجاته الخلابة ورقة أسلوبه.. إلى عالم رومانسي شفاف أنتشي فيه عبير الحب المتدفق من ورود الأبيات الشعرية.. وأحس بدفء المشاعر المنهمرة من جداول الكلمات.. وأرتشف ندى المعاني من وحي العبارات.. وأغرق في الرغبة المكللة بالحياء والمنسابة من حاجات نفسه المكبوتة.. وأذوب بنيران حزنه المشتعلة من لوعة الفراق.
فإبن الملوح رجلٌ إحترف الحب.. والحب عنده ليس مجرد كلمة يحتويها وعاءٌ فارغ بل الحب عنده ُ شعور ٌ ملتهب متدفق كالبركان بقوته وحرارته من عمق قلب خُلِق ليُحِب.
كثيراً ما أقرأ قصائد إبن الملوح وفي كل مرة يعتريني ذلك الشعور بالنشوة الممزوجة بالشهد ô ويُخالِجُني الذهول.. نعم أُذهل من عذوبة وصفه لمدى تعلقه بليلى.. وبقدرته الهائلة على بث أشجانه وخواطر نفسه ومدى إلحاحِه في الوصول إليها، حتى بعد رحيلها فها هو يضربُ في البلاد ويسعى وراءها.. حتى ينتهي به المطاف شهيد الحُب العُذري.
أعتبر قراءتي لقصائد قيس لحظات أسرقها من العمر لأنعُمَ بقليل من الدفء في ظل حياة يكتنِفُها البرد القاسي.. نكهتُها كطعمِ الرصاص.. إيقاعُها قصف و تفجيرات.. تملؤها مشاهد القتل.. قتل لأبرياء في فلسطين والعراق واطفال درافور.. تهمتهم الدم العربي الذي يسيل في عروقهم.. ذلك الدم الذي ينزف من أجسادهم ويثور في عروقنا حزناً وألماً على هذه الأمة التي ما آن لها أن تشفى من جراحها بعد.. وماذا بعد؟
لا أدري ما يحمله القدر من بعد.. لكنني أدرك أن ما نحتاج إليه في خضم تلك الحالة وما يعترينا فيها من شعور قاتل بالحزن والعجز هو شاعرٌ مبدع يُعمق لدينا شعور الحب الذي يملؤنا إصراراً ورغبةً في الوصول إلى ما نُحب.. فنحنُ أمة فُطرت على الحب حياتُها مزيج من الحب والحزن لأنه مُذ خُلِقنا ونحن نعي مفهوم الحُزن على قتل الأبرياء والأرض المسبية وبُكاء العيون العسلية.. ونعي مفهوم الحُب الذي أدركناه من عيون أبائنا ومن نسائم قصائد شعرائنا ولا سيما إبن الملوح.
وإنعكاساً لهذه الحياة كان من الطبيعي أن أمزج حديثي عن روعة حب قيس بشعوري بالحُزن.. فنحن كما قيس نحترف الحب والحزن .. حب الأرض والحزن عليها.. كما احترف هو حب ليلى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق